Skip to main content

مؤشر مُدرَكات الفساد (CPI) لعام 2023 لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: النهجُ المُختلّ في مكافحة الفساد يُقوِّض التقدم

Tunisian judges and lawyers gather in a protest calling upon authorities for independence in the judicial system

Photo: Fethi Belaid/AFP

كندة حتر - المستشارة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، منظمة الشفافية الدولية

يؤدي فقدان الزخم في جهود مكافحة الفساد في مختلف الدول العربية إلى تراجُع ثقة الجمهور، بينما يعوق اعتماد نهج رد الفعل - وليس الوقاية - في مكافحة الفساد أجنداتِ الحوكمة الرشيدة.

مؤشر مدركات الفساد لعام 2023

انظر النتائج

على مدى أكثر من عقد من الزمن، فشلت معظم الدول العربية في تحسين مواقعها على مؤشر مُدرَكات الفساد، ولا يمثّل عام 2023 استثناءً. يُعزَى هذا الاتجاه إلى ارتفاع مستويات الفساد السياسي الذي يُقوِّض جهود مكافحة الفساد في مختلف أنحاء المنطقة. ولا يزال الفساد يُعيق حصول المواطنين على الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة والتعليم، بل ويهدد في كثير من الحالات حقهم في الحياة.

مع بقاء سبع سنوات فقط لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، تكافح الدول العربية للوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بالعدالة وحقوق الإنسان. ويرجع ذلك إلى غياب البنية التحتية المناسبة والنظم الوطنية للنزاهة. يبلغ متوسط الدرجات المُجمَّعة لمؤشر مُدرَكات الفساد لعام 2023 للدول العربية 34 من أصل 100، ما يدل على طريقٍ طويلٍ ينبغي أن نقطعه لضمان النزاهة والعدالة في مختلف أنحاء المنطقة.

سجّلت الإمارات العربية المتحدة (68) وقطر (58) أعلى الدرجات بين الدول العربية، بينما سجّلت ليبيا (18)، واليمن (16)، وسوريا (13)، والصومال (11) أدنى الدرجات.

أبرز الملامح الإقليمية

Please accept marketing cookies to view this content.

عدم الاستقرار الهيكلي والاجتماعي يُغذِّي الظلم

في مختلف أنحاء المنطقة، يؤدي الفساد المُستشرِي إلى تقويض التقدم بشكل كبير، حيث تتصارع الدول مع الظلم الهيكلي والاجتماعي المتأصل. تؤدي هذه الظروف السائدة إلى تكريس أشكال مختلفة من عدم المساواة، بما في ذلك تفاوت الوصول إلى الخدمات والموارد الأساسية. لا يؤدي ذلك إلى تفاقم عدم المساواة الاجتماعية فحسب، بل يُعيق بشدة أيضًا السعي إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

لا تزال الدول العربية تعاني من نهجٍ مُختل في مكافحة الفساد. في السنوات السابقة، قدمت الحكومات وعوداً ووضعت استراتيجيات لمكافحة الفساد، ولكن الإدارات الجديدة كثيراً ما تتجاهل هذه المبادرات، ما يؤدي إلى فقدان الزخم. يؤدي هذا التناقض وعدم الاستمرارية في جهود مكافحة الفساد إلى تعزيز فجوة عميقة في الثقة بين المواطن وحكوماته، الأمر الذي لا يُقوِّض الاستقرار السياسي فحسب، بل يزيد أيضًا من تصعيد الصراع في مختلف أنحاء المنطقة.

أُدرِجت سبع دول عربية ضمن الدول التي سجّلت أدنى عشر درجات لمؤشر مُدرَكات الفساد لهذا العام، بينما تعيش 80% من بلدان المنطقة في صراعات وتعاني من عدم الاستقرار على الصعيدين الاجتماعي والسياسي. وفقاً لمؤشر السلام العالمي لعام 2023، لا تزال بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأقلَّ سلاماً في العالم للعام الثامن على التوالي. وتخيم الصراعات والحروب على ليبيا (18)، واليمن (16)، وسوريا (13)، والصومال (11)، ما يحول دون تطوير نظمٍ للنزاهة وسياساتٍ وآلياتٍ فعالة لمكافحة الفساد.

تحصُر حالة الحرب المستمرة في اليمن البلاد في حلقة مُفرغة من الفساد، ما يجعل من الصعب المناورة للتخلص منها بإصلاحات بسيطة. لقد سمح اقتصاد الحرب للفاسدين بتكديس الثروات والإفلات من المُساءلة، بينما يعجز الملايين من الناس عن الحصول على المساعدات الطارئة والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات المُنقذة للحياة. أدّى هذا الواقع إلى منح الجماعات المسلحة والميليشيات نفوذاً غير مُبرّر، فضلاً عن إمكانية تلاعب منظمات المجتمع المدني بالمساعدات جرّاء الابتزاز.

زادت الدول العربية من نفقاتها الدفاعية استجابةً للعديد من الصراعات، ما يشكل مخاطر كبيرة للفساد. ويصنف مؤشر النزاهة في قطاع الدفاع الدول العربية ضمن الفئتين "المرتفعة جدًا" و"الحرجة" فيما يتعلق بالقابلية للفساد. تشير المستويات المرتفعة من الفساد في قطاع الدفاع إلى أمور منهجية تتعلق بالحوكمة وتقاربٍ مثير للقلق بين المصالح التجارية والدفاعية. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الإنفاق غير المتناسب على قطاع الدفاع إلى تحويل مسار التمويل الذي تشتد الحاجة إليه بعيدًا عن مؤسسات دعم العدالة وتعزيز جهود مكافحة الفساد.

تذبذبت درجة مصر حول (35) لأكثر من عقدٍ من الزمن، ولا تزال من بين الدول ذات الدرجات الأدنى في العالم في مؤشر سيادة القانون. منذ عام 2013، كان للجيش تأثيرٌ على عملية صنع القرار السياسي، ما أدى إلى تقويض القطاع الخاص بشكل كبير والإسهام في الأزمة الاقتصادية. وفي ديسمبر، حصل الرئيس عبد الفتاح السيسي على فترة رئاسية ثالثة مدتها ست سنوات. وقد اتسم عهده، الذي بدأ بالإطاحة بالرئيس المُنتخب محمد مرسي في عام 2013، بإنفاقٍ مكثف على البنية التحتية، يفتقر إلى الشفافية وإلى استراتيجية اقتصادية قوية. أدى هذا النهج إلى زيادة كبيرة في الدّيْن الوطني.

وبينما تشهد المنطقة صراعات عديدة، بما في ذلك الحرب على غزة، فإننا نشهد العديد من ثغرات الضعف في دول الجوار. حيث تظهر التقارير الأخيرة ظهور ممارسات فساد في هذه البلدان، ومن الأمثلة على ذلك هو استحصال  "رسوم" على الحدود من أولئك الفارين من ويلات الحرب. حيث لا تقتصر آثار هذه الممارسات على الفئات الهشة والأكثر ضعفا في المجتمع وحسب، بل إنها تضيف مستوا جديدا من الظلم وتعزز الاختلال في توازن القوى.

تؤدي الصراعات إلى التفاقم الممنهج في عدم المساواة مختلف أنحاء المنطقة. ظلت ليبيا (18 عاما)، وهي بلد يمتلك أحد أكبر احتياطيات النفط في أفريقيا، في حالة صراع لأكثر من عقدٍ من الزمن دون أن تلوح له نهاية في الأفق. يُستخدم النفط كوسيلة للمناورة، ما يترك البلاد عالقةً في مواجهة سياسية ويُعرّض الموارد الطبيعية الغنية لخطر الاستغلال. في الأردن (46)، ورغم المبادرات الحكومية الواضحة التي تحاول تعزيز الحوكمة الرشيدة، لا تزال هناك اختلالات منهجية. يُحِدّ هذا الواقع من حصول الناس على فرص متساوية، حيث يعتمد تحصيل الفرص غالباً على العلاقات الشخصية. ولذا، من الأهمية تحديد الأسباب الجذرية للفساد للتمكّن من محاربته.

الدول التي زادت بشكل ملحوظ

Please accept marketing cookies to view this content.

خطوة للأمام، وخطوتان للخلف

في مختلف أنحاء المنطقة، هناك رغبة في المُضيّ قُدُماً في مكافحة الفساد، ولكن هناك أيضاً العديد من العقبات التي تعترض الطريق. يشير الركود في العديد من الدول العربية إلى قضايا تتعلق بتطبيق تدابير مكافحة الفساد والالتزام المستمر بها.

هناك بعض أوجه التشابه في الطرق التي يتعامل بها كلٌّ من لبنان (24) والعراق (23) مع الفساد، حيث تقوَّضُ العديد من الجهود بسبب الهياكل السياسية الضعيفة والافتقار المستمر إلى الإرادة لبناء نظم مناسبة للنزاهة (لمزيدٍ من التفاصيل حول لبنان، انظر الإطار أدناه). في كانون الأول / ديسمبر الماضي، أجرى العراق أول انتخابات محلية منذ أكثر من عقد من الزمن. ومع ذلك، طغت الانقسامات الطائفية في البلاد على هذه الانتخابات، ما أثّر على الهياكل السياسية، كما رأينا عندما قاطع أحد الأحزاب السياسية الرئيسية الانتخابات تماماً.

تونس (40) بلدٌ يواجه تحدياتٍ ديمقراطية كبيرة. في عام 2023، شهدت البلاد حدثاً محورياً ــ انتخاب برلمان جديد ــ بأدنى نسبة مشاركة للناخبين في تاريخ البلاد، حيث لم تتجاوز هذه النسبة 11%. وقد سلطت هذه الانتخابات، في رئاسة قيس سعيد، الضوء بشكل أكبر على الأزمة السياسية المتفاقمة. واصل سعيد، الذي سيطر على السلطة القضائية وعلّق عمل البرلمان القائم آنذاك في يوليو 2021، تعزيز سلطته، ما أثار مخاوف بشأن الضوابط والتوازنات الضرورية لديمقراطيةٍ فاعلة. وقد قُوِّضت هيئة مكافحة الفساد بشكل ملحوظ، وهي التي كانت ذات يوم منارةً للتقدم الديمقراطي بعد الثورة في تونس، حيث وجَّه إغلاق الهيئة ضربة قاسية للمساءلة والشفافية، وعرّض سلامة الناشطين والمُبلِّغين عن الفساد للخطر.

كما أدت حملة القمع المُكثفة التي تشنها الحكومة التونسية على حقوق الإنسان إلى تفاقم هذه القضايا بصورة أكبر. حيث فُرِضت قيود على حرية التعبير والتجمّع، وتقلصت المساحة المدنية في ظل زيادة المراقبة، وتصاعدت الملاحقات القانونية للمعارضين. تُؤذِن هذه التطورات بخروجٍ مثير للقلق على المُثُل الديمقراطية للثورة التونسية، ما أثار قلقًا محليًا ودوليًا بشأن المسار المستقبلي للمشهد الديمقراطي وحقوق الإنسان في البلاد.

بلدٌ تحت المجهر: الكويت – خطوة للأمام 

Members of parliament attend a session at the National Assembly, 12 December 2023

Photo: Yasser Al-Zayyat/AFP

هذا العام، حصلت الكويت (46) على أعلى درجة لها على مؤشر مُدرَكات الفساد منذ عام 2015، ومهدت الطريق نحو التزاماتٍ أقوى لمكافحة الفساد على المستوى الوطني. وفي أيلول / سبتمبر، صوّت مجلس الأمة على خارطة طريق حكومية جديدة لتحسين الأداء التنموي وتحقيق الإصلاح الاقتصادي، وهي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد. ركّزت خارطة الطريق بصورة خاصة على تعزيز الشفافية ومبادئ الحوكمة الرشيدة. ورغم إدراج بعض التغييرات التشريعية، لا تزال هناك حاجة إلى تحسين الإطار القانوني بشكلٍ أكبر، مع التركيز على مسألة تضارب المصالح، وقانون الرشوة الأجنبية، والحق في الحصول على المعلومات، وإنشاء لجنة الانتخابات.

وكتفاعل مع الزخم المتزايد لمكافحة الفساد في البلاد، أصدرت جمعية الشفافية الكويتية 11 مطلبًا لضمان التنفيذ الفعال والشفاف لخارطة الطريق الوطنية. وعلى وجه الخصوص، أكد فرعنا الوطني على ضرورة عمل المجتمع المدني بحرية ودون أي قيود، وإنشاء هياكل للحوكمة الرشيدة في القطاع الحكومي، وزيادة الشفافية بشأن المشتريات العامة.

بلدٌ تحت المجهر: لبنان – خطوتان للخلف

Bills from Transparency International Lebanon's campaign “Lollar, Currency of Corruption”, which protests the county's crippling economic crisis.

Photo: Transparency International Lebanon

على مر السنين، شهد لبنان (24) تراجعاً كبيراً في مؤشر مُدرَكات الفساد، حيث انخفضت درجته ستَّ نقاط منذ عام 2012. ورغم دعوات المجتمع المدني التي تحث الحكومة على أخذ الفساد على محمل الجد، ترك انفجار مرفأ بيروت في عام 2020 البلاد دون مسار واضح للمُضيّ قُدُمًا من أجل إنشاء نظام وطني قوي للنزاهة.

فلبنان بدون رئيس منتخب ولا حكومة فعالة لأكثر من عام، ما ترك البلاد تُعاني من فراغ سياسي وتعتمد على دعم المجتمع الدولي لها من أجل البقاء. ورغم الجهود المبذولة للتصدي للفساد ــ بما في ذلك انشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد – فإن هذه المؤسسة لن تحقق شيئاً يُذكر في غياب هياكل للإدارة السليمة.

في ظل انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان المركزي، فإن الحالة الاقتصادية في البلاد تتدهور بشكلٍ سريع. وقد أدت هذه الأزمة إلى الحدِّ بشدة من إمكانية الوصول إلى الحد الأدنى من الخدمات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم. تهدف حملة "لولار" التي أطلقتها منظمة الشفافية الدولية في لبنان إلى تسليط الضوء على الأزمة الاقتصادية المستمرة، والكشف عن فشل النظام المصرفي وتأثير ذلك على المدنيين. ورغم كل الجهود المبذولة، أصبح الوضع أكثر خطورة. وفي غضون ذلك، تستمر انتهاكات حقوق الإنسان في التصاعد، ويتفاقم عدم الاستقرار السياسي والأزمة الاقتصادية المستمرة في لبنان كل يوم. ولكن لا يزال هناك بصيصٌ من الأمل. نتيجةً لجهود المناصرة التي يبذلها فرعنا الوطني، سُجِّلت تحسينات في استخدام بيانات الملكية المستفيدة في المشتريات العامة لمنع الفساد والاحتيال.

تتطلب قوانين مكافحة الفساد التحقّق من الواقع

في مختلف أنحاء المنطقة، تتبنى استراتيجيات مكافحة الفساد الحالية في المقام الأول نهج ردّ الفعل وليس النهج الوقائي. وقد فشلت العديد من الدول التي قامت بصياغة القوانين والسياسات في تعميم تدابير لمكافحة الفساد بشكل منهجي ودعمها بآلياتٍ فعالة للإنفاذ والوقاية. إن مجرد الزيادة في عدد التحقيقات وسجن الفاسدين لا يكفي لمعالجة القضايا المنهجية؛ هناك حاجة إلى نهجٍ شامل لإصلاح هذه النظم المَعيبة.

غالباً ما تواجه الحكومات القادمة عوائق بسبب النظم الفاسدة الموجودة سابقاً، والتي تحُد من قدرتها على معالجة الأسباب الجذرية للفساد. لتحقيق تغيير حقيقي في الدول العربية، هناك حاجة إلى مراجعة الواقع ــ من خلال نهجٍ شامل يعالج الأسباب التي تكمُن وراء الفساد ويعطي الأولوية للوقاية بدلاً من البناء على نظم قائمة على أسس فاسدة للغاية. لا يمكن للحكومات أن تدّعي نجاحها في مكافحة الفساد ما لم تتمكن جميع قطاعات المجتمع - وفي المقام الأول المجتمع المدني ووسائل الإعلام والقطاع الخاص - من المشاركة بشكلٍ كاف في هذه العملية.

هل البلدان التي حصلت على درجات عالية محصنة ضد الفساد؟

مشكلة في الأعلى

ساعدونا في مواصلة الضغط على الحكومات

تبرعوا لمنظمة الشفافية الدولية

For any press inquiries please contact [email protected]