Skip to main content

مؤشر مُدرَكات الفساد (CPI) لعام 2022 لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: الفساد يُغذِّي الصراع المستمر

A Yemeni man holds up a sign that reads "Circulating corruption is a greater crime than corruption itself"

Photo: Ahmad Al-Basha/AFP

انخفض متوسط مؤشر مُدرَكات الفساد (CPI) لعام ٢٠٢٢ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا - حيث وصل إلى أدنى مستوى له عند 38 من أصل 100 نقطة بعد سنوات من الركود.

مؤشر مدركات الفساد لعام 2022

انظر النتائج

تُواصل المنطقة صراعها مع الاستبداد، وحتى التغييرات التي أطلقتها انتفاضات الربيع العربي في القيادات منذ أكثر من عقد من الزمان أخفقت في نهاية المطاف في تفكيك هياكل السلطة التي تسمح لمن هم في القمة بالاحتفاظ بالهيمنة وإعاقة النزاهة السياسية. وقد تسبّب ذلك في تفشِّي الاضطرابات المدنية - والصراع العنيف - حيث يناضل الناس من أجل حقوقهم ولكي تُسمع أصواتهم. يؤدي عدم الاستقرار والاستحواذ على السلطة بدوره إلى تأجيج الفساد السياسي، ما يُغذّي الحلقة المفرغة من الاستبداد والفساد والصراع في مختلف أنحاء العالم العربي.

على قمة تصنيف الدول العربية تأتي الإمارات العربية المتحدة (درجة مؤشر مُدرَكات الفساد: 67) وقطر (58). بينما سجّلت البلدان التي تعاني من النزاعات أسوأ الدرجات: ليبيا (17) واليمن (16) وسوريا (13).

أبرز الملامح الإقليمية

Please accept marketing cookies to view this content.

حلقة الصراع والفساد

يتداخل الفساد والنزاع والأمن بشكل عميق - ولا يتجلى هذا في أي مكان أكثر من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا . بصفتها المنطقة الأقل سِلمًا في العالم وفقًا لمؤشر السلام العالمي، حيث تُجسِّد المنطقة طرق لا حصر لها حيث يُغذِّي من خلالها الفساد والعنف بعضهما البعض.

لقد تم بناء العديد من الدول على أنظمةٍ فاسدة حيث تُمكِّن للقِلّة وتستخدم الواسطة (المحسوبية) والرشاوى، ما سيؤدي الى تقسيم المجتمعات إلى طبقات ويُراكم المظالم التي تؤدي إلى الصراعات وإراقة الدماء. في ليبيا، أشعل عدم المساواة والفقر والفساد احتجاجات الربيع العربي. عندما فشل القادة في إقامة دولة ديمقراطية بعد الإطاحة بنظام القذافي، اندلعت حرب أهلية أخرى بين مجموعات مسلحة مختلفة، مع استمرار فشل وقف إطلاق النار الأخير في عام 2020 وكبح العنف بين الفصائل. ومع عجز الدولة، تتصارع النُّخب مع بعضها البعض على موارد النفط الغنية في البلاد، يخدم المسؤولون العامُّون الفاسدون أنفسَهم بدلاً من الشعب الليبي - حتى في الوقت الذي يفتقر فيه الكثيرون إلى الوصول إلى الخدمات الأساسية. في المنطقة الغربية وعلى طول الحدود الجنوبية على وجه الخصوص، أشعلت الجماعات المسلحة التوترات حيث تظاهرت الجماهير مُطالبةً بتحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية. يُغذِّي كل ذلك الصراع بين الفصائل وعدم الاستقرار المستمر. بالتالي، لم تتمكن البلاد من إجراء انتخابات وادّعت الأمم المتحدة أن الجهات المؤسّسية الرئيسية الفاعلة تُواصل إعاقة التقدم. لن تستطيع البلاد المُضيّ قُدُمًا إلا عندما يُوقف القادة حلقة الفساد هذه. 

في مختلف أنحاء المنطقة، نقص الشفافية في ميزانيات أمن الدولة يفسح المجال لإنفاق الأموال دون مُدخلات من الجمهور، بل وحتى بإعادة توجيهها من قِبَل الجهات الفاسدة. وفي منطقةٍ بها هذا الكمّ من النراعات، تُعدّ مثل هذه الميزانيات كبيرة - ما يوفّر مكاسب ضخمة للجهات الفاسدة. طبقاً لمؤشر الحكومة لمكافحة الفساد في قطاع الدفاع، التابع لمنظمة الشفافية الدولية، لا يوجد بلد في المنطقة يحتل مرتبة أفضل من "عالي المخاطر"، بينما تُصنّف غالبية البلدان فيها على أنها "عالية المخاطر جدًا". حتى في البلدان التي لا تنخرط بنشاط في الصراع، تستهدف ميزانيات الدفاع الكبيرة دولاً أخرى في المنطقة - مثل إنفاق دول الخليج في اليمن.

في أسفل القائمة للمنطقة (والعالم)، تُظهر اليمن وسوريا التأثير المأساوي للصراع الذي طال أمده. في أنظمةٍ ضعيفة بالفعل وتعاني من الصراع، يسلُب الفساد الموارد من الدولة، ما يزيد من إضعاف قدرة الحكومات على الوفاء بدورها المتمثل في حماية الشعوب وفرض سيادة القانون. يزيد ذلك بدوره من حدة المظالم ويؤدي إلى نشوب صراعاتٍ داخلية. في اليمن، كان الفساد أحد أهم الانتقادات للحكومة التي بدأت حربها الأهلية قبل ثماني سنوات. الآن انهارت الدولة، وتواجه البلاد أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث يعاني ثلثا السكان من الحاجة الماسّة إلى الغذاء. في سوريا، يحتفظ النظام الحالي بالسلطة، ولكن الحكومة لم تفعل شيئًا يُذكر لتوجيه الموارد لدعم الشعب. أدت اثنا عشر عامًا من القتال إلى انهيار البنية التحتية - ما ترك الكثير من السكان غير قادرين على الحصول على المياه النظيفة والرعاية الصحية والغذاء - وتواجه البلاد الآن تفشي وباء الكوليرا.

بلدٌ للمراقبة: الأردن

Bus drivers lift a banner calling for "dignity" during a protest against increasing fuel prices in Jordan

Photo: Khalil Mazraawi/AFP

بعد ركودٍ لمدة خمس سنوات، أظهر الأردن (47) اشارات مقلقة مع انخفاض درجته بنقطتين على مؤشر مدركات الفساد لهذا العام وسط قيودٍ متزايدة تفرضها الحكومة على الحيز المدني وانعدامٍ في ثقة الجمهور بالحكومة بصورة متنامية. حيث وسّعت الدولة سلطتها وقمعت المجتمع المدني والصحفيين الذين ينتقدون أفعالها متذرّعةً بحالة الطوارئ التي أُعلِنت للاستجابة لجائحة كوفيد-19 . وقد أدت هذه القيود الصارمة، وإعاقة الرقابة العامة، وانتهاكات عملية التحقيق، إلى قيام منظمة التحالف العالمي لمشاركة المواطنين (Civicus) بتخفيض تصنيف البلد من "مُعوَّق" إلى "قمعي".

أدى كل ذلك إلى زعزعة الاستقرار في الأردن، ما أسفر عن تداعيات خارج حدوده. لطالما عمل الأردن بصفته وسيطاً في المنطقة، ما قلل من التوترات بين المجموعات المختلفة. أما الآن وبعد أن تدهورت درجاته على مؤشر مُدرَكات الفساد وغيره من المؤشرات، فمن غير المُرجَّح أن تثق الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية بالبلد للاضطلاع بهذا الدور، ما يهدد المحاولات المستقبلية لتحقيق الاستقرار والحفاظ عليه.

التضييق على الحريات في منطقة الخليج العربي

شهِدَ العديد من دول مجلس التعاون الخليجي، وهو اتحاد سياسي واقتصادي يضم الإمارات العربية المتحدة (67)، وقطر (58)، والمملكة العربية السعودية (51)، والبحرين (44)، وعُمان (44)، والكويت (42) تراجعاً أيضاً على مؤشر مُدرَكات الفساد لهذا العام. في أعقاب الربيع العربي، تحوّلت دول الخليج إلى قوميةٍ مُفرطة وإلى المزيد من القمع للمساحة المدنية. لذا وبدون قنوات للمشاركة المدنية والوصول إلى المعلومات، يُترك المواطنون خارج عملية صنع القرار وبدون سُبُل متاحة لدفع عجلة التغيير الاجتماعي.

لا تزال الإمارات العربية المتحدة صاحبة أعلى درجةٍ للمؤشر في المنطقة، ولكنها بدأت تُظهِر علاماتٍ مقلقة للتراجع. بينما اتخذت حكومتها خطواتٍ لزيادة الكفاءة في الإدارة العامة، لا تزال الشفافية منخفضة، كما أن آليات الحماية من الفساد والانتهاكات الأخرى غير متوفرة. يخشى المواطنون انتقاد الحكومة بسبب القيود الصارمة، وغالباً ما تُراقَب وسائل الإعلام نفسُها لتفادي القمع مما يجعل من الصعب على المواطنين الحصول على معلومات عن أنشطة الأسرة الحاكمة، وكذلك العمليات الحكومية. ومن المؤسف أن سلسلةً من الحقوق المُقيِّدة للإصلاحات القانونية، والتي بدأتها الحكومة في أواخر عام 2021، زادت الوضع سوءاً.

شهدت قطر، إحدى البلدان الأخرى التي سجّلت أعلى درجات للمؤشر بين الدول العربية، انخفاضًا أكثر حدة، حيث هبطت من 64 إلى 58 في أدنى مستوىً لها على الإطلاق. ظهرت البلاد في دائرة الضوء الدولية بشكلٍ أساسي لاستضافتها كأس العالم لكرة القدم في عام 2022، ما أثار انتقاداتٍ بسبب ادعاءات الرشوة في عملية اختيار قطر لاستضافة البطولة، وظروف العمل غير الإنسانية في مواقع الإنشاءات، والتمييز ضد مجموعات الأقليات. ولكن مخاطر الفساد في قطر تتجاوز هذا الحدث، حيث إن وصول المواطنين إلى المعلومات ذات الصلة بمشتريات الدولة والميزانية الحكومة يُعدّ مقيَّداً للغاية. وبينما تجري معاقبة جرائم الفساد الصغيرة بشكلٍ منتظم، يفتقر البلد بشدة إلى آليات مستقلة لكشف ومنع الفساد المُمنهَج. قد يُساء أيضًا استخدام تشريعات مكافحة الفساد لاستهداف المُنتقدين والمُبلِّغين، الذين لا يتمتعون بأي حماية من التضييق الحكومي، كما تُوضّح حالة عبد الله أبحيص. بعد فضح الانتهاكات بحق العمال الوافدين في قطر، حيث حُكِم على الموظف السابق في اللجنة المنظمة لكأس العالم بالسجن بتهمة الرشوة وسوء استخدام الأموال. ورغم تخفيض عقوبته إلى ثلاث سنوات، فقد أثارت عائلته ادعاءاتٍ بتعذيبه في أواخر عام 2022.

بلدٌ للمراقبة: لبنان

Protestors gather on the two-year anniversary of the Beirut port explosion

Photo: Mohamed Azakir/REUTERS

يقع لبنان (24) في دوامةٍ من الكوارث الاقتصادية والسياسية والاجتماعية منذ انهيار قطاعه المالي نتيجة الإنفاق المُفرِط والفساد في عام 2019، وتفاقَم الانهيار بسبب الانفجار المُدمِّر في مرفأ بيروت في العام التالي. أصبحت الدولة عاجزة عن دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية والجنود، أو تقديم الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والمياه والغذاء والكهرباء. هذا أمرٌ مقلق بشكل خاص حيث وقع أربعة من كل خمسة مواطنين فريسةً للفقر خلال الأزمة، بينما ارتفع التضخم بشكل كبير في عام 2022. كانت بنوك البلاد، المتواطئة في ضخ ثروة اللبنانيين المتنفِّذين إلى الخارج، تثير غضب المحتجين الذين لم يكن بمقدورهم الحصول على مدخراتهم. وممّا زاد الطين بِلّة، أن البلاد تعيش بدون حكومة عاملة منذ نهاية أكتوبر، ما أدى إلى تأخير الإصلاحات الضرورية لتحسين الحوكمة الاقتصادية والنقدية.

يقع الفساد في صميم العديد من هذه الأزمات. يقوم موظفو الدولة بسحب الأموال من العطاءات المخصّصة لإعادة التعمير، بينما يتجنّب المسؤولون الآخرون المساءلة في العديد من التهم، حتى بالنسبة لانفجار الميناء حيث توفرت أدلة تشير إلى أنهم كانوا على علم بالمخاطر. اتخذ قانون مكافحة الفساد لعام 2020 خطواتٍ مهمة لتصحيح بعض هذه المشكلات، ولكن هذه الخطوات لا تزال غير كافية. لا تزال هناك ثغرات في الشفافية في التعيينات في لجنة مكافحة الفساد، وفي قانون المشتريات العامة اللاحق الذي صدر في عام 2021.

لن يؤدي الفساد المُتفشي ، مُقترنًا بالوضع الاقتصادي السيئ، إلا إلى تعميق انعدام الثقة في السياسة وإلى التوترات الاجتماعية التي تُمزّق البلاد. بدون إصلاحات سياسية حاسمة لكبح جماح الفساد وتخفيف وطأة الأزمات، لن يكون مصير الصراعات القائمة إلا المزيد من التفاقم.

الدول التي تراجعت بشكل كبير

Please accept marketing cookies to view this content.

بلدٌ للمراقبة: تونس

Protestors call for accountability and democracy on the 12th anniversary of the Tunisian revolution

Photo: Ahmed Zarrouki © I WATCH Organization

انخفضت تونس (40) أربع نقاط مقارنةً بالعام الماضي، مع مواصلة البلاد السير على طريق الاستبداد. أقال الرئيس قيس سعيد، الذي يسعى جاهداً لتركيز السلطات في يد السلطة التنفيذية، عشرات القضاة بحجة التطهير لمكافحة الفساد، ووضَع النظام القضائي تحت سلطته - متجاهلاً قرارات المحكمة الإدارية التي تسعى لعكس إجراءاته. لم تستأنف الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، التي أُغلِقت في عام 2021، عملَها حتى الآن، تاركةً المبلِّغين عن الفساد بلا مكان يلجؤون إليه. كما قامت الحكومة بمهاجمة وترهيب منظمات المجتمع المدني والصحفيين علناً، ما أسهم في انعدام الثقة وزيادة التوتر الاجتماعي.

في يوليو، انتفض المتظاهرون رداً على انتهاكات سعيد قبل التصويت المقرر للموافقة على دستورٍ جديد من شأنه توسيع السلطات التنفيذية بشكل كبير. ولكن الرئيس انتهز الفرصةً لتعزيز سلطاته حيث اعتقل المتظاهرين وأقال رئيس الوزراء وجمّد البرلمان. وسط مقاطعةٍ واسعة النطاق للانتخابات، قام بالتصويت على الدستور الجديد ما يزيد قليلاً على 30 في المائة من السكان.

أُجريت الانتخابات البرلمانية في ديسمبر، في فترة اتسمت بالمزيد من التوترات والإضرابات المتصاعدة. مع تشجيع المزيد من المنظمات والنشطاء على مقاطعة الانتخابات، باعتبارها تهديدًا للديمقراطية، حيث شارك 11.2 في المائة فقط من الناخبين. سيكون البرلمان الجديد ضعيفًا للغاية وغير قادرٍ على معالجة القضايا الحاسمة لدعم جهود الديمقراطية ومكافحة الفساد.

الحاجة الماسة للإصلاح

لوقف دائرة العنف والفساد، يجب على القادة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عكس اتجاه الاستبداد وفتح المجال للجميع للمشاركة في صنع القرار. يجب أن توجد مؤسساتٌ للدولة لمكافحة الفساد وتقديم الدعم لمن هم في أمسّ الحاجة إليه، بدلاً من استنزاف الموارد العامة لتوطيد سلطة النخبة القليلة. بعد سنواتٍ من الركود، يجب أن يكون انخفاض مؤشر مُدرَكات الفساد هذا العام بمثابة دعوةٍ للاستيقاظ لإجراء إصلاحات عاجلة وحماية الحقوق والحريات الأساسية في جميع أنحاء المنطقة.

هل البلدان التي حصلت على درجات عالية محصنة ضد الفساد؟

مشكلة في الأعلى

دعم الشفافية الدولية

تبرع

For any press inquiries please contact [email protected]