Skip to main content

لماذا لا نشارك في عملية المجتمع المدني لمجموعة العشرين في 2020

غالبًا ما تبدو قمة مجموعة العشرين السنوية بمثابة منبر للحديث لأقوى حكومات العالم. يجتمع قادة 19 من أكبر الاقتصادات الوطنية، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، ويتصافحون أمام الكاميرات، ويبرمون اتفاقيات فضفاضة، لا يطبقون كثيراً منها. وتلفت القمم انتباه وسائل الإعلام في العالم، وفي كثير من الأحيان المحتجين من جميع أنحاء العالم الذين يريدون محاسبة تلك الحكومات.

ولا يدرك كثيرون الدورات المكثفة للاجتماعات التحضيرية التي تسبق اجتماع قمة العشرين. فعلى الرغم من القيود والتحديات الكثيرة التي تواجه العملية، فإن العديد من الأصوات من خارج الحكومة - وخاصة النقابات والجماعات الحقوقية والمجتمع المدني - تعتبر القمة فرصة نادرة لتقديم توصيات السياسة العامة مباشرة إلى السلطات الوطنية، والتأثير على جدول الأعمال العالمي بشأن القضايا التي تؤثر على المليارات من الناس. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، كانت هناك اجتماعاتٌ مخصصةٌ للمجتمع المدني داخل مجموعة العشرين، والمعروفة باسم مجموعة العشرين للمجتمع المدني.

ومع ذلك فإننا، في 2020، كمنظمات المجتمع المدني سنبقى بعيدين عن عملية مجموعة العشرين للمجتمع المدني الرسمية، والتي ستستضيفها المملكة العربية السعودية.

فقد حاولت السعودية المضيفة لقمة مجموعة العشرين الترويج لنفسها كدولة حديثة جذابة للمستثمرين الأجانب. وقامت الحكومة باستقدام مستشاري العلاقات العامة الغربيين باهظي التكاليف، و أنفقت ملايين الدولارات لتلميع صورتها، وإسكات الأصوات المنتقدة في وسائل الإعلام الدولية. لكن في الوقت عينه، تقوم السعودية في الداخل باعتقال المدافعين/ات عن حقوق الإنسان، وملاحقتهم قضائياً بشكل منتظم، والتضييق على حرية التعبير، وتقييد حرية التنقل، والتعذيب وإساءة معاملة الصحفيين والنشطاء المحتجزين. وتُستخدم قوانين مكافحة الإرهاب ذات الصياغة الفضفاضة لإسكات أصوات منتقدي الحكومة، وذلك مثلاً من خلال فرض عقوبة الإعدام. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2018، صُدم العالم بعملية القتل الوحشي للصحفي والمعارض جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول. وتواجه النساء تمييزًا مجحفاً ممنهجاً في القانون والواقع الفعلي. وعلاوة على ذلك، تتعرض المدافعات عن حقوق الإنسان اللائي تجرأن على الدفاع عن حقوق المرأة للملاحقة القضائية، والاعتقالات التعسفية، والاحتجاز.

وبدلاً من إجراء الإصلاح الحقيقي، تحاول الحكومة السعودية التستتر على سجلها السيء في مجال حقوق الإنسان من خلال إقامة فعاليات دولية كبرى في البلاد. ويشمل ذلك مجموعة العشرين، بالإضافة إلى مجموعة العشرين للمجتمع المدني (C20) بقيادة مؤسسة الملك خالد، وهي منظمة غير حكومية معتمدة من قبل الحكومة. ونظرًا إلى أننا كمنظمات مجتمع مدني رائدة موجودة في معظم البلدان حول العالم (ولكن ليس في السعودية)، لا يمكننا المشاركة في عملية تسعى إلى إضفاء الشرعية الدولية على دولة لا توفر فعليًا مساحة للمجتمع المدني، ولا تسمح بوجود صوت مجتمع مدني مستقل.

وفي يونيو/حزيران 2019، أصدرت مجموعة العشرين للمجتمع المدني مجموعة من المبادئ ، بما في ذلك الهيكل الأساسي وآليات التشغيل، لضمان استدامتها وفعاليتها. وتؤكد مبادئ مجموعة العشرين للمجتمع المدني على إدراج مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، من المحلية إلى العالمية؛ وشفافية صنع القرار؛ والحرية والاستقلال عن أي تأثير غير مبرر من قبل أي جهة فاعلة من غير المجتمع المدني؛ والشمولية والتنوع، والقيم التوجيهية لحقوق الإنسان، والمساواة على أساس النوع الاجتماعي، وتمكين المرأة. ومعظم هذه المبادئ سوف تكون غائبة في عام 2020 في المملكة العربية السعودية، بل والأمر الأكثر إثارة للقلق أننا نشهد بالفعل تقويضًا لهذه المبادئ من قبل رئاسة السعودية لمجموعة العشرين.

ولن يتمكن، تقريباً، أي ممثلين محليين من المجتمع المدني السعودي من المشاركة في الاجتماع القادم لمجموعة العشرين للمجتمع المدني في السعودية، باستثناء عدد رمزي من المنظمات التي تعمل في قضايا تعتبرها الحكومة السعودية غير ضارة، لأن السلطات السعودية لا تسمح بوجود أحزاب سياسية، أو نقابات عمالية، أو جماعات حقوق الإنسان المستقلة. فمعظم نشطاء المجتمع المدني التقدمي يخضعون للمحاكمة، أو يقضون عقوبات بالسجن لفترات طويلة بسبب التجرؤ على التحدث بصراحة، أو يضطرون للجوء إلى المنفى من أجل تجنب مواجهة السجن، أو ما هو أسوأ. فالعودة إلى البلاد ليست خيارًا، حيث أنهم سيتعرضون للخطر. وبدون هذه الأصوات المستقلة والمنتقدة في غرفة الاجتماع، تتعرض مصداقية مجموعة العشرين للمجتمع المدني لضرر شديد.

أما الجهات الفاعلة في المجتمع المدني الأجنبية والدولية، فستواجه بدورها تحدياتٍ كبيرة في المشاركة بحرية في فاعلية مجموعة العشرين للمجتمع المدني التي تنظمها السعودية.

ولا تؤثر القوانين والسياسات الحالية في السعودية بشكل مباشر على الحق في حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، والتعبير والتجمع السلمي فحسب؛ بل إنها تخلق أيضًا تأثيراً مروعاً يعمل على إسكات أصوات فئات معينة من النشطاء الذين، إذا أرادوا التحدث علناً، سيعرضون سلامتهم وأمنهم الشخصي للخطر. وإلى جانب ذلك، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، صنف جهاز أمن الدولة السعودي النسوية والمثلية الجنسية على أنها جرائم. وعلى الرغم من أنه قد تم تصحيح الإعلان، لا تزال المدافعات البارزات في مجال حقوق الإنسان في السعودية وراء القضبان، ويحاكمن بسبب عملهن الحقوقي. وتتعارض هذه القوانين والممارسات مع مبادئ مجموعة العشرين للمجتمع المدني المتعلقة بالتنوع والمساواة على أساس النوع الاجتماعي، وتمكين المرأة، وستخنق حرية التعبير في المناقشات حول حقوق المرأة، والحقوق الجنسية والإنجابية، وحقوق مجتمع الميم.

ومما يزيد من سوء هذا الوضع، الغياب الشديد لحرية الصحافة في السعودية. فالسيطرة الصارمة على وسائل الإعلام، والرقابة، ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، تعني أن أي مناقشات تجري في اجتماع مجموعة العشرين للمجمتع المدني بقيادة سعودية لن تصل أبداً إلى عامة الشعب السعودي بما يتجاوز الرواية التي تقرها الدولة. حتى لو كانت أي من هذه المناقشات ممكنة، فبدون وسائل الإعلام الحرة، فإن كل المناقشات المهمة في اجتماع مجموعة العشرين للمجمتع المدني لن تفيد سوى جمهور محدود. وهذا لا يتماشى مع المبادئ التوجيهية لمجموعة العشرين للمجتمع المدني الخاصة بالشمولية والانفتاح والشفافية والمشاركة.

وكانت مؤتمرات قمة مجموعة العشرين السابقة شهدت احتجاجات نشطاء من الدولة المضيفة وأماكن أخرى. إفحرية التجمع السلمي حق، لكن في بلد كالسعودية، يُحظر فيه كل التجمعات، بما في ذلك المظاهرات السلمية، لا يوجد أي احتمال لاحترام هذا الحق الأساسي.

وتفتقر عملية مجموعة العشرين للمجتمع المدني التي تقودها السعودية إلى جوانب كثيرة، ولا سيما في ضمان المبادئ الأساسية لتلك المجموعة. وحتى في وقت مبكر من عام 2020 فإن عملية مجموعة العشرين للمجتمع المدني لاحظت غياباً ملحوظا في الشفافية من قبل المضيفين لاجتماع تلك المجموعة. وكان تعيين رؤساء الفرق العاملة واللجان المختلفة غير شفاف، وغير استشاري؛ في حين أن القرارات التعسفية استبعدت المجموعات الدولية ذات الخبرة. ولا يمكن اعتبار عملية مجموعة العشرين للمجتمع المدني بقيادة مؤسسة الملك خالد، المرتبطة بالعائلة المالكة السعودية، شفافة وشاملة وتشاركية، وفقاً لما تقتضيه مبادئ مجموعة العشرين للمجتمع المدني.

وفي وقت يواجه فيه العالم مجموعة واسعة من التحديات، هناك حاجة إلى أصوات مستقلة أكثر من أي وقت مضى. فالدولة التي تغلق المساحة المدنية إلى حدٍ تكاد تختفي فيه تلك المساحات تمامًا، لا يمكن الوثوق بأنها ستضمن الشروط الأساسية للمجتمع المدني الدولي لتبادل الأفكار والتعاون بحرية في أي قضية، ناهيك عن تلك القضايا التي تعتبرها تلك الدولة حساسة أو مسيئة.

وعلى الرغم من أننا لن نشارك في اجتماع المجموعة العشرين للمجمتع المدني هذا العام، فإننا نلتزم بالعمل معًا للتأكد من إسماع صوت حقوق الإنسان والنشطاء في عام 2020.


For any press enquiries please contact

Transparency International Secretariat Press Office
E: [email protected]
T: +49 30 34 38 20 666